الاولى | أرشيف | اتصل بنا
Saturday, April 05, 2003


intro.gif (2289 bytes)

الإعلام والحرب
منذ انطلاق العمليات الحربية على العراق برز موضوع التعاطي الاعلامي مع هذه الحرب، ولاسيما بعد ان تأكد ان للحرب المعلنة جبهتان: جبهة الحرب الميدانية وجبهة الحرب الاعلامية·
واعتبارا لأهمية الموضوع اتسع النقاش حوله الى تنظيم ندوات لملامسة اشكاليات المعالجة الاعلامية في نطاق أخلاقيات مهنة الصحافة والاعلام·
واذا ما تجاوزنا ما أثير حول طبيعة الحرب الجارية، نجد ان مبعث هذا الاهتمام يعود الى كون مجموعة من وسائل الاعلام قد زج بها في معمعان الحرب الاعلامية الموازية للعمليات العسكرية الميدانية·
و...

تتمة النص
kalima.gif (334 bytes)
شرعية أمريكا
ماذا أصاب المسؤولين الأمريكيين؟ أيعقل أن يكونوا أسوياء؟ أليس من الواجب والمفروض عرضهم على أطباء نفسانيين للتأكد من سلامة "أدمغتهم" إن كانت هناك أدمغة؟ أيعقل تركهم يرسمون خارطة العالم على أهوائهم؟·
واضح أن المسؤولين الأمريكيين واقعين تحت ضغط وإكراه من اللوبي الصهيوني المتطرف الشغوف بامتصاص أرزاق الشعوب وزرع الفتن والقلاقل لاكتناز الثروات وترويج الإيديولوجيات بعد رسم مشاهد التجويع والقتل···
تواصل أمريكا وتابعتها بريطانيا عدوانهما على الشعب العراقي وحججهم في غزوهم مردودة عليهم وديمقراطيتهم ...

تتمة النص

الإعلام والحرب
نبيل بنعبد الله يعلن عن قرب اطلاق قناتين عموميتين جديدتين
بلاغ من المكتب الوطني للشبيبة الاشتراكية حول تسجيل الشباب البالغين 18 سنة باللوائح الانتخابية
المكتب الوطني للشبيبة الاشتراكية يعزي في وفاة الرفيق عبد العزيز الفاروقي
كل الاجراءات اتخذت لمنع دخول الالتهاب الرئوي الحاد الى المغرب
متى تنتهي شريعة الغاب؟
حرب الخليج الثالثة تدخل يومها السادس عشر:البنتاغون يقول إن قواته على مشارف بغداد و العراق يقول إنها لم تصل حتى مسافة مائة كيلومتر من العاصمة
الحرب ستترك انعكاسات سلبية متفاوتة على اقتصاديات المنطقة العربية
أثنار وزعماء المعارضة يتبادلون التهم حول دور اسبانيا في الأزمة العراقية
عنان يؤكد أن مجلس الأمن لم يقرر الحرب على العراق ولم يوافق عليها


   
قضايا مسرحية    ( 10/18/2001 )

الخطاب المقدماتي في تجربة محمد الكغاط الابداعية 2 / 3
المقدمة عند محمد الكغاط
يعتبر جيرار جنيت " المقدمة" (PREFACE) كل نص تمهيدي يسبق النص المركزي- وقد يأتي بعده (POSTFACE) - ينتسب للمؤلف (PREFACE AUCTORIAL) أو لغيره ( preface Allographe )إن هذا الخطاب المنتج بصدد النص يتميز بطبيعته الزمنية المزدوجة تتسم بالاستباقية والاستعادية في الآن نفسه، هي استباقية لأنها تسبق كتابة النص المزمع قراءته، واستعادية لأنها تعيد قراءة النص المكتوب 12، ولا تعود هذه المراوحة بين الكتابة والقراءة في نص المقدمة إلا الى المهام الكبرى التي يسندها اليها الكتاب وتعوض حضورهم العيني أمام القراء.
وتتلخص هذه المهام الكبرى أو الوظائف التي تضطلع بها المقدمات في ما يسميه جيرار جنيت ب " القراءة الجيدة للنص" كقاعدة أساس يعترف إزاءها بتعقدها وتشعبها على الرغم من بساطتها الظاهرة، إذ يمكن تقسيمها الى قسمين هما: ضمان قراءة النص أولا، وتأمين أن تكون هذه القراءة جيدة ثانيا 13، ولا يقف التقسيم عند هذا الحد إذ يمكن تشطير هاتين الوظيفتين الى وظائف " صغرى" تضطلع بالمهام التالية:
- فك شفرات النص بطريقة معينة / مخصوصة.
- مراقبة عملية فك شفرات النص وتوجيهها.
- حماية النص من سوء الفهم.
- قيادة المتلقي نحو القراءة المؤدية الى الفهم السليم.
- إقصاء التأويلات البعيدة وغير الملائمة.
إن هذه الوظائف على تنوعها الظاهر تلتقي مع وظائف العتبات النصية الأخرى عند وظيفة واحدة يسميها البعض بوظيفة خفر النص (ESCORTER LE TEXTE)14 وقبل تعرف كيفية خفر لنصوص محمد الكغاط المسرحية، تجب الاشارة هنا الى أنه على عكس اللائحة الطويلة للأسماء التي تعرفها الثقافة الفرنسية كتلوينات للخطاب التمهيدي من قبيل :
(introduction-avant propos- prologue-note-notice-avis-presentation-examen-preambule-preface-avertissement-prelude-discours preliminaire-exorde-avant-dire-proeme
فإن مقابلاتها في الثقافة العربية يكاد لا يتجاوز: - التمهيد - التقديم- المقدمة- التوطئة- الاستهلال، وهي في الغالب الأعم تستعمل كمترادفات لبعضها لا فارق بينها. ومع هذا الفقر الاصطلاحي إلا أن الوعي بقيمة المقدمة نلمحه في أغلب مقدمات الكتاب الكبار، خصوصا تلك التي ترافق الإبداع الأدبي بصفة عامة، والإبداع المسرحي بصفة خاصة.
إن الاختلاف الموضعي، أو الحيز المكاني الذي تشغله كل النصوص الموازية (كالعنوان والميثاق التجنيسي... إلخ) مقارنة مع المقدمة يترتب عنه جملة من الاختلافات التابعة، تتعلق أساسا بنوعية المتلقي المستهدف عند كل منهما، فإذا كان العنوان مثلا موجه الى عموم الجمهور، وكافة القراء، فإن المقدمة تقصد المتلقي الراغب في الاقتراب أكثر من النص المركزي/ الأصلي. وإذا كان هناك بعض القراء يقصدون النص المركزي مباشرة على أساس أنه الأهم والأجدى، فإن هذا التجاوز غير المبرر يجعل القارئ لا يتعرف منذ البداية على ما يريد الكاتب تعريفه به قبل الشروع في عملية القراءة، لتصبح عملية الخرق هاته إحدى الطرق التي تنسف عملية التدرج في بناء المعنى الذي يجتهد الكتاب والمؤلفون في تشييده.
وأما الغالب في هذه الحالة هو أن يولي القارئ المهتم المقدمة العناية والاهتمام الكبيرين، لأن ذلك ينسجم مع ما يوليه الكتاب أنفسهم من عناية لمقدماتهم، على هذا الأساس كان المؤلفون الذين يهتمون ويواظبون على كتابة مقدمات لإبداعاتهم هم أكثر الكتاب خوفا من الإساءة لأعمالهم، الأمر الذي يدخل محمد الكغاط في خانة هؤلاء الذين يخافون انحراف نصوصهم على يد القراء العاديين أو القراء المخرجين أوباقي المهتمين بالشأن المسرحي، خصوصا وأنه يدرك أن توجهه المسرحي التجريي يقتضي ذلك الاحتراز وذلك الخوف.
على هذا الأساس يمكن اعتبار المقدمات التي يكتبها كمداخل لأعماله نوعا من تدقيق وجهات النظر التي ينطلق منها في إبداعه، وتوضيحا لرؤاه الفكرية والفنية الانسانية التي يلح على ألا يساء فهمها، أو يتم تحريف مسارها. ولأن المقدمة في المسرح موجهة لأولئك الذين يملكون عيونا تسعفهم على بناء عروض متخيلة، أو الى مخرجين ممارسين ينجزون تلك النصوص فوق الركح، فإن التساؤل بصدد مقدمات محمد الكغاط ومحاولة معرفة ما توافر فيها الخصائص يدفعنا الى تسجيل بعض الملاحظات منها:
إن أول ملاحظة نسجلها بصدد نصوص محمد الكغاط أنها لا تملك جميعها مقدمة، إذ من بين ثمانية عشر نصا - مسرحيا تغيب المقدمة في أحد عشر نصا، ولا تحضر إلا في سبعة نصوص هي : (أساطير معاصرة -بشار الخير- المرتجلة ومرتجلة فاس- أبو الهول الجديد-واحد،اثنين، ثلاثة- منزلة بين الهزيمتين - مرتجلة شميشا للا)15 . وبما أن المقدمة لا تحضر في كل إبداعاته، وأن نسبة الغياب أكثر من نسبة الحضور فمعنى هذا، أن الغياب يشكل القاعدة والحضور هو الاستثناء، الأمر الذي يفرض التساؤل عن أسباب حضور المقدمة في تلك النصوص، والبحث فيما تقدمه تلك " المقدمات"، والوظائف التي أناطها بها محمد الكغاط، انطلاقا من افتراض نتبناه هنا هو أن الكغاط لا يسوي بين حضور المقدمة وغيابها. فحضور المقدمة ليس مجانيا، إنها تضطلع بعدد من المهام تكشف عنها إواليات انكتابها، وطرق اشتغالها داخل المتون المركزية.
ü الملاحظة الثانية أن كل المقدمات معنونة بلفظ " مقدمة" أو مقدمة نظرية"، ماعدا مسرحية أبي الهول الجديد المسبوقة ب " تعليق قصير"، غير أنها تشترك جميعها في كونها ذات طابع تنظيري، تعرض على مستوى المضامين ما يدور ويعتمل في الساحة النقدية المسرحية المغربية والعربية، أو هي تدلي بدلوها في تجلية آراء وهواجس المسرحيين المغاربة من وجهة نظر خاصة هي تلك التي يعتبر عنها محمد الكغاط. الأمر الذي يبرر وجود قواسم مشتركة بينها، باعتبارها تشكل انشغالا أساسيا في مشروعه الإبداعي من جهة، وباعتبارها تمثل من جهة ثانية أهم القضايا الكفيلة بإخراج المسرح المغربي من دوامة التقليد والاجترار التي يعيشها، وباعتبارها من جهة ثالثة إضافة نوعية تطبيقية راصدة لآرائه الخاصة التي يقترحها كبدائل للمسرح السائد والمتداول.
ومع أن بعض المقدمات انشغلت بما هو خاص بالمسرحية التي تسبقها كأن تعرض تلخيصا لها، أو تعرف بأحد مكوناتها، أو تعرض لأسباب اختيار الموضوع، أو تحدد موضوع كل لوحة من لوحات المسرحية، أو تصحح توجها قرائيا خاطئا.. فإننا نود أن نقف على المشترك بين تلك المقدمات، والتقاط القضايا " الكلية" التي بمقدورها أن تجلي طبيعة التوجه المسرحي الذي يتبناه محمد الكغاط، ويشكل مدخلا حقيقيا لإبداعه، أي تلك المقدمات التي تجلي السند المعرفي والفكري الذي يجب أخذه بعين الاعتبار من قبل القارئ إذا ما أراد أن يقرأ النص " قراءة جيدة" وسليمة.
وإذا كانت مقدمات محمد الكغاط تحتاج الى وقفة أطول، وتحليل أعمق، بسبب الائتلاف والاختلاف الذين يسمان القضايا التي تطرحها، والشواغل المسرحية المغربية التي تعالجها، فإن اقتصارنا على محطتين منها، يعود في اعتقادنا الى أنهما تبلوران الخطوط العريضة لتجربة محمد الكغاط المسرحية، وتجليان بعض ملامحها الأساسية، ونقصد بهما: الجمهور أولا، والقالب المسرحي التجريبي ثانيا.

1 - الجمهور المسرحي عند محمد الكغاط
إن أول ما يثير اهتمام قارئ مقدمات نصوص محمد الكغاط ورود لفظة الجمهور أو المتلقي بشكل متواتر ومباشر في جل مقدماته، بل إن هذا القارئ بفرط إلحاح الكغاط على ذكر الجمهور، يعتقد من تلك المقدمات ومن المسرح برمته غير الجمهور نفسه. وهو ما يجعله يستنتج أن محمد الكغاط يعد المتلقي القطب الأساس في العملية الإبداعية، به ومن أجله يجب التفكير في كل مكونات الفرجة المسرحية، ربما قبل النص أو العرض.
ففي مسرحية "بشار الخير" يخصص محمد الكغاط المقدمة بكاملها لإشكالية التواصل الانساني، ومن ضمنها التواصل بالمسرح وفي المسرح، ليخلص من حديثه عن الظواهر الفرجوية العربية القديمة الى نتيجة مفادها أن العرب عرفوا أشكالا مسرحية أخرى غير تلك التي وفدت عليهم من الغرب تكمن قيمتها وأهميتها في كونها كانت تحقق " شبه التواصل بين الممثل والجمهور" 16 ولعل هذا ال " شبه التواصل" المرصود من لدن محمد الكغاط سيعده الخيط الرابط بين المسرح العربي والجمهور المعاصر، من ثمة كان استناد أعماله على الأشكال التراثية العربية وغير العربية، والاغتراف من الماضي يعود الى إيمانه بأنه أحد الأدوات القوية لإقامة مصالحة بين المسرح العربي المعاصر وجمهوره، من ثمة كان شغفه كبيرا بالسمايري والمداح والحلايقي ليس لأنها شخصيات موغلة في التاريخ يعاد استحضارها لإضفاء مساحيق " عربية" ممسوخة وكاذبة، ولكن لأن طريقة اتصال كل واحد من هؤلاء " بجمهور حلقته لم يكن سوى تواصل بصيغة من تلك الصيغ التي يبحث عنها الانسان منذ تكلم"17 ولهذا السبب نفسه نجده في مسرحية " المنزلة بين الهزيمتين" يستلهم الألعاب الطفولية العربية القديمة كنوع من الرغبة في تقريب الهوة بين المسرح ومتلقيه، ومحاولة رفع الحجب التي تتستر على العلاقة التلقائية بين قطبي الظاهرة المسرحية، لذلك ظل يعتبر " أن طبيعة الانسان العربي، وظروفه القديمة، (جعلت) مسرحه القديم يناسب علاقة الانسان بالانسان، وتواصل الانسان بالانسان"18 .
ولا يقف وراء لجوء محمد الكغاط الى الأنماط التراثية المختلفة سوى محاولاته إعادة نسج تلك العلاقة الحميمة التي سادت قديما، وإحيائها في الممارسة المسرحية العربية المعاصرة. إن استحضاره للمداح والحلايقي والسمايري لم يكن من باب التزيين، ولا المشاركة المجانية في استلهام التراث واستحضاره كما ساد في بعض لحظات المسرح العربي، ولكن ذلك لم يتم إلا بعد أن وعى أن التراث كفيل بأن يستجلب للمسرح المعاصر تلك الحرارة التي كانت بين المداح والحلايقي والسمايري وجمهور كل واحد منهم، فإذا كانت علاقة هؤلاء بجمهورهم وطيدة ومؤثرة ومتبادلة، فإنه بمقدورها أن تسري الى الجمهور المعاصر إذا ما حافظت على صدقها، وإقناعها، وإعجابها... إن " ما يجعلنا نتصل بالتراث بطريقة فنية جمالية " هو أنها " تساعد على الخلق والإبداع من أجل التواصل" 19 .
هكذا يكون تحقيق التواصل الحقيقي بين الممارس والمتلقي بؤرة اشتغال محمد الكغاط، ومحور اهتمامه، وحين تجلي المقدمة هذا الاختيار وهذا الاقتناع، فإن ذلك يتحكم في الصوغ النهائي للإبداع المسرحي برمته، وحتى حين نقبل بالافتراض القائل بأن المؤلفين يكتبون مقدمات أعمالهم بعد الانتهاء منها، فلا شك أن الكغاط كان قد كتب نصه المسرحي، وفي ذهنه الجمهور.
ويلاحظ المتتبع لتلك المقدمات أن الأهمية التي أولاها المبدع المغربي الكبير الكغاط للجمهور، تحكمت في تطوير مختلف مكونات الممارسة المسرحية بغية العثور على صيغة مسرحية مغربية جديدة، كمساهمة منه فيما عرف ب " القالب المسرحي" العربي المتميز، الموضوع الذي شغل كثيرا كل رواد المسرح العربي، لذلك لم يكن استحضاره الموروث العربي الى جانب الموروث الغربي إلا من أجل استخلاص القاعدة التي ربطت بين كل منهما بالجمهور يقول :" تواصلت الكوميديا دي لارتي بالجمهور في الشارع.. وتواصل الحلايقي بجمهوره في الساحات العمومية، وتواصل الممثل الكلاسيكي بجمهوره على خشبة إيطالية، وتواصل الحلايقي بجمهوره بين أسوار (باب المكينة) بفاس " (بشار الخير، ص : 57) من هنا كان الهاجس الاول الذي جعله يستلهم التراث، ويستحضره كأداة تجريبية في المسرح، هو محاولته إعادة إحياء العلاقة التواصلية المتينة التي كانت تربط الجمهور العربي بالإبداع الموجه اليه، خصوصا وأنه عاين كل أشكال العزوف، والإعراض عن المسرح العربي / المغربي المعاصر من قبل متلقيه.
ولم يتوقف سعي محمد الكغاط في إقامة مصالحة حقيقية بين الممارسة والتلقي العربيين وحسب، ولكنه كان يتوق الى مسرح عربي يحقق التواصل مع الشعوب والأمم الأخرى، ف : نحن عندما نمثل الحلايقي على خشبة ايطالية، نحقق تواصل الممثل بالجمهور، ونحقق تواصل الشرق بالغرب، تماما كما فعل الغرب منذ سنوات عندما أخذ يرجع الى صيغ التواصل الشرقية القديمة في عملية البحث عن مسرح جديد، والعملية لاتزال مستمرة.." 20 .
إن اهتمام الكغاط بمد جسور التواصل مع الجمهور، يعد أساس كل تجربة مسرحي لديه ويتجلى ذلك على الخصوص في إلحاحه على تساوق الشكل والمضمون التجريبيين في كل عمل جديد، إن المضامين والقضايا التي يتناولها المسرح العربي مهما كانت أهميتها وجدتها لا تظهر قيمتها الحقيقية إلا بنوعية الطريقة التي تقدم بها وفيها لتحقيق المسرح المنشود، غير أن الشرط الأساسي لكل طريقة مسرحية جديدة أن لا تتكرر، وتعاد، لأن من شأن ذلك أن يسقطها في الاجترارية والألفة التي تفقدها حيويتها وبريقها وهذا ما يؤكده في مقدمة مسرحية (واحد، اثنان، ثلاثة) حين يقول : " واعتقد أن المشكل اجتماعيا كان أو سياسيا مهما كانت أهميته،، إذا عولج بنفس الطريقة، ولمدة طويلة صار شيئا مألوفا لدى المشاهد، وأخطر من هذا أن يصبح هذا الشكل من الأمور العادية التي لا تثير انفعال المتلقي.. من أجل ذلك كان على الكاتب أن " يخلخل" مخاطبيه، وذلك بالبحث عن صيغ خطاب جديدة لإعادة الحيوية الى المشاكل القديمة التي بدأت تنغرس في مجتمعنا وكأنها أمور عادية"21، وعلى نفس الإشكال يلح في مقدمة " المرتجلة الجديدة" حين يقول: إن الجمهور لابد أن يتجاوب مع أي عمل فني يمسه، ويلامس قضاياه الحقيقية، شريطة أن يتسم بالصدق والعمق"22 .
وإذا كان محمد الكغاط يلح على خلخلة الثابت والساكن في عملية التلقي، حتى لا يستكين الجمهور الى فعل مسرحي أحادي الصيغة سرعان ما يهجره إذا ما تكرر أمامه، فإن ذلك يبتدئ في نظره بتغيير الأشكال المسرحية التي دأب المتلقي على رؤيتها ومشاهدتها، من ثمة كان الهدف الأساس الذي تحكم في مراوحته بين أشكال ومضامين مسرحية تراثية عربية وغربية، والحفر فيها هوالعثور على مسرح عربي/ مغربي جديد يستجيب للطبيعة الخاصة للجمهور العربي / المغربي.
إن تبني محمد الكغاط لقالب المرتجلة مثلا، والتنويع فيه لم يكن فيه من باب التجديد الشكلي، والتغيير المجاني، ولكن لأنه شكل مسرحي يتلون وفق استعداد الجمهور وتجاوبه، فكلما كان هذا الاستعداد والتجاوب كبيرا تعمقت درجته وسمح بالتالي لكافة المتدخلين في الممارسة المسرحية (ممثلين ومخرجين وتقنيين...) على توسيع إبداعهم، وتطوير اجتهادهم، لقد نحا الكغاط هذا المنحى لأنه رأى أن الارتجال يملك " طاقة تلقائية عندما يجد الممثل نفسه وسط دفء التجاوب مع الجمهور" 23 من هنا لم تكن اختيارات الكغاط تتصيد غير الأشكال الابداعية التجريبية التي تتسم بالانفتاحية الكبيرة على المتلقي ، وليست المرتجلة سوى ذلك العمل المسرحي القابل لكل إضافة جديدة، التي تتحكم فيها بالدرجة الأولى الطبيعة الخاصة للجمهور في كل عرض مسرحي.
ولعل محاولاته التجريبية سواء في المرتجلات أو في غيرها استطاعت أن تقبض على الخاصية التي طالما شغلت بال كبار المسرحيين العرب، وبحثت عنها تجاربهم المتنوعة، ونقصد بها مسألة " المشاركة"، أو إشراك الجمهور في اللعبة المسرحية، فإذا كانت رؤى المسرحيين العرب متباينة اتجاه هذا الإشكال فإن فهم محمد الكغاط له كان خاصا انطلق عنده ليس من الممارسة المسرحية ولكن من الجمهور معتبرا هذا الأخير المتحكم الأول في بناء العمل الدرامي برمته، وفي كل أجزائه: في الديكور، وفي المكان، الزمان... بل وفي عدد الممثلين أيضا، يقول في مقدمة مسرحية (واحد اثنان ثلاثة) إن " عدد الممثلين غير محدد، لأن التحديد يحرم بعض أعضاء الفرقة من العمل، كما يحرم الجمهور من التدخل" وليس من تفسير لهذا الحرص على عدم حرمان المتلقي من التدخل في اللعبة المسرحية سوى اعتباره المتلقي جزءا لا يتجزأ من عملية الانجازية في المسرح، والقطب الأساس الذي يجب أن يحضر في الممارسة نفسها وليس قبالتها كي تستقيم العملية التواصلية في المسرح، إن اعتبار المتلقي منبع الإبداع ومقصديته في الآن نفسه هي القيمة الحقيقية لمفهوم المشاركة التي أخطأ الطريق اليها غير واحد من المسرحيين العرب.
وإذا كانت هذه المقدمات قد كشفت عن وعي عميق بدور المتلقي/ الجمهور في العملية المسرحية، فلأن المسرح التجريبي الذي مارسه الكغاط سواء في إطار مسرح الهواة، أوالمسرح الجامعي جعل معاناته كبيرة وشقاءه مضاعفا مع الجمهور المغربي، ومن يقرأ مقدمة " مرتجلة شميشا للا" يلاحظ تمزق هذا المبدع الكبير بين ردود أفهال وصفها بأنها " غريبة غرابة المسرح في بلدنا"، كان من نتائجها دعوته الصريحة الى ما أسماه في مقدمة مسرحية " واحد اثنان ثلاثة" ب " مسرح تعليم المسرح" من أجل خلق جمهور متطور، مكتسب لتقاليد مسرحية متعددة ومتباينة يستطيع بها التصدي لمعتمي الرؤية السليمة للفن المسرحي، ولمحترفي إفساد الأذواق أي لما كان يسميهم بالمتسلطين الذين ما فتئ حجمهم وتعدادهم يتعاظم في وطننا.

2 - محمد الكغاط والبحث عن القالب المسرحي التجريبي
احتل موضوع القالب المسرحي مساحة واسعة في المجالين النقدي والابداعي في المسرح العربي منذ انطلاقته ويعود السبب الرئيس في ذلك الى الانشغال الكبير للمبدعين العرب بقضية الانفكاك من أسر المسرح الغربي، وصيغه المختلفة، ويعتبر محمد الكغاط واحدا من المسرحيين العرب الذين أولوا قضية القالب/ الشكل المسرحي اهتماما بالغا لا نبالغ إذا قلنا إنها كانت سببا أساسيا - من بين أسباب أخرى - في ركوبه موجة التجريب المسرحي بشكل واع، ومع سبق إصرار والسؤال الذي يفرض ذاته هنا هو كيف نظر محمد الكغاط الى القالب المسرحي العربي من خلال الخطاب المقدماتي الذي بين أيدينا؟ وبم تتميز مقترحاته في هذا المجال؟.
لقد اعتبر محمد الكغاط المقدماتي الذي بين أيدينا؟ وبم تتميز مقترحاته في هذا المجال؟.
لقد اعتبر محمد الكغاط مسألة البحث عن قالب مسرحي عربي مطلبا مشروعا لكل المسرحيين كيفما كان انتماؤهم، ومهما تباينت توجهاتهم، لا غرابة إذن أن يتوحد البحث عن القالب المسرحي المناسب عند مختلف المسرحيين سواء كانوا عربا أو غير عرب، ويعزى ذلك التوحد في نظره الى أن إشكال التواصل الذي يعده إشكالا إنسانيا، يتغيا كل المسرحيين من وراء الالحاح عليه، إحكام الروابط الضامنة لإنجاحه في الظاهرة المسرحية، بغض النظر عن الطرق والأساليب التي يتوسلون بها لتحقيق ذلك، وهذا ما يؤكده في مقدمة مسرحية بشار الخير حيث يقول: " كل العرب الذين بحثوا عن قالب مسرحي (عربي) التقوا أولا فيما بينهم، ثم التقوا مع الكتاب الغربيين ثانيا. لماذا يحدث هذا اللقاء باستمرار؟ لأن التواصل هو التواصل، ولو اختلفت المناهج والطرق" 24 وفي مقدمة مسرحية (واحد اثنان ثلاثة) يفصل الحديث عن الدوعي التي جعلته الى جانب المسرحيين العرب - يبحث عن القالب المسرحي العربي المتميز، ويحصرها في ثلاثة عوامل هي على التوالي :
1 - إن المسرح بالمفهوم الغربي شكل إبداعي جديد على الحضارة العربية
2 - إن المسرح ألصق الفنون بالبيئة التي ينشأ فيها.
3 - إن المسرح أكثر الفنون قابلية للتطور.
غير أن هذه العوامل الثلاثة الدافعة للمسرحيين العرب نحو البحث عن القالب الذي يميز مسرحهم، لم تحل دون توزعهم بين اتجاهين : توسل الأول بالترث سواء كان شعبيا محليا أو إنسانيا عالميا كما هو في الأعمال التي اعتمدت على الأساطير الفرعونية، أو اليونانية، أو غيرها. وتوسل الاتجاه الثاني بالتيارات المسرحية العالمية الحديثة.
ومحمد الكغاط من أولئك المسرحيين العرب الذين زاوجوا في مسارهم الابداعي بين الاتجاهين معا، وهذا ما يكشف عنه تنظيره المقدماتي. ففي مقدمات مسرحياته التي تنحو تراثيا يقول بصدد القالب العربي الذي يتوق الى ترسيخه: " عندما جاءنا المسرح الغربي كشكل من أشكال التواصل بشروطه المعروفة قمنا نتفقد ذاك الجنين القديم لنرى هل بالامكان بعث الحرارة فيه من جديد، وإخراجه ليقف بجانب مثيله الغربي.. ولنا الحق في ذلك ما دمنا نؤكد الأخذ من الغرب دون أن نصير غربيين، وأن نستلهم القديم دون أن نكون قدماء" 25 ويقصد الكغاط بالجنين الذي رجع اليه المسرحيون العرب يتفقدونه ما ضمته الكتب العربية التراثية، والحكايات القديمة والتجمعات والحفلات الشعبية.. وغيرها من المظاهر التي اختار هو نفسه منها العديد من الأشكال المختلفة، والأنماط المتباينة، والتي تؤكد أن سفره داخل رحاب الموروث العربي كان يستهدف شيئا واحدا هو محاولة القبض على أكثرها ملائمة مع المعطى الانساني العربي المعاصر.
وأما تلك التي استوحى فيها التراث العالمي فهناك أساطير معاصرة، وبروميثيوس 91 أو بغداديات...، جمع في الأولى أساطير يونانية مختلفة ل " أيو وأنتيجون وإلكترا وبروميثيوس... وفي الثانية زرس ورونوس التيتان les titans . الى غير ذلك من الآلهة التي وجد فيها تحقيقالمسرح التورية الذي كان معجبا به .وفضلا عن هذا هناك مسرحيات أخرى زاوج فيها بين التراثين العربي والغربي كما في مسرحية المنزلة بين الهزيمتين التي نجد فيها بعض ألعابنا العربية القديمة، الى جانب الجوقة اليونانية القديمة. وفي بروميثيوس 91 نجد (كبد) بروميثيوس الى جوار (كبد ) حمزة، والاله زوس الى جوار الحسين بن علي ومأساته بكربلاء.. كنوع من التوليف التجريي الذي يريد من ورائه القبض على ماهو إنساني مشترك يستطيع بواسطته تجنب السقوط في التوظيف غير السليم للمعطى التراثي الذي أوقع العديد من المسرحيين العرب في مزالق كثيرة، أساءت الى المسرح العربي المعاصر بنفس القدر الذي أساءت به الى التراث نفسه، هكذا نجده يحذر في مقدمة مسرحية " بشار الخير" قائلا : " ليس استعمال المداح هو الذي يجعل مسرحية ما تراثية، وإنما أخذها لما هو ثابت عند كل مداح، ولما جعل المداح يتواصل قديما... ولما يدفعنا الى الآن الى البحث عن قالب مسرحي باستعمال المداح.. و" نفس الأمر مع السمايري " فنحن عندما نأخذ السمايري مثلا لنبعثه في المسرح، نأخذ إيمانه بقدرته على الاقناع.. نأخذ موقفه من جمهوره.. نأخذ جمالية الحوار الموقع التي تحدد في ذهننا فكرتنا عن السمايري" 26 .
إن محمد الكغاط بصنيعه هذا كان شديد الاحتراز من الوقوع في الانبهار بالأشكال التراثية لأنها أسقطت العديد من المسرحيين في النقل الحرفي، وأوجدت - بالتالي- أعمالا مسرحية بعيدة زمينا عن الجمهور الذي يشاهدها، ومن ثمة تخلفت مقصدية تلك الأعمال عن معانقة أسباب الحداثة، وهو ما حرص على تجنبه بشكل كبير الى درجة أنه ظل يعتبر كل مسرحية بداية لسلسلة متنامية يطور لاحقها سابقها، خلافا لما يلاحظ عند بعض المسرحيين العرب حيث الاكتفاء باجترار نقطة انطلاقهم، فإذا كانت كل مسرحية عنده تنطلق من بحث جديد، فلأن " الكاتب الذي يدعو الى اتجاه معين في إحدى مسرحياته لابد أن يطور بحثه واتجاهه في عمله اللالحق، أما إذا قصر كل أعماله على بلورة فكرة الانطلاق ،فإنه لا يضيف شيئا يذكر الى فن المسرح،و وأعتقد أن الاقتصار على بلورة الانطلاق ... من الأسباب التي جعلت اتجاهات المسرح العربي عامة تبرق لحظة ثم تنطفى دون أن تصبح أولاها ركيزة تقوم عليها تلك التي تأتي بعدها": 27 . وهذا المطلب الذي يلح عليه الكغاط سوف نجد أحد تجلياته الواضحة في ذلك المسار المسرحي الذي عرفه ب " قالب المرتجلة" والتي ابتدأت مع المرتجلة الجديدة ثم مرتجلة فاس ومرتجلة شميشا للا،28، يقول محمد الكغاط عن مرتجلته الأولى : " ولعل من أهم مميزات المرتجلة الجديدة أنها استلهمت " قالب" المرتجلة من أجل البحث عن قالب جديد يمكن بواسطته طرح قضايا إنسانية، وعرض إنسانية الانسان... وهكذا وجدنا أنفسنا أمام تجربة جديدة في المسرح المغربي يمكن نعتها ب " مسرح التورية" بمفهومها البلاغي، إنه المسرح الذي يقدم معنيين، أحدهما قريب يتبادر فهمه من الكلام، وبعيد هو المراد بالافادة لقرينة خفية كما يقول البلاغيون" 29. وإذا كان هذا القالب قد استقاه من المسرح الغربي، فإنه وجد فيه ضالته لممارسة التجريب في مختلف مكونات العمل الدرامي ابتداء باللغة، سواء على مستوى الحوار أو الارشاد أو طريقة الأداء، مرورا بالديكور، وبعدد الممثلين وغير ذلك مما يدرجه في إحدى المقولات الأساس التي تبناها والتي مفادها أن كل نص من نصوصه هو " مشروع عرض مسرحي" حتى يكون قابلا لكل الاحتمالات والافتراضات والاقتراحات البناءة لإيمانه بأن " المسرح فن يتحرك ويعيش بفضل الجهود التي تبذل من أجل تطويره وتغييره وتأصيله" 30 .
وإذا كانت المرتجلة قد قادت محمد الكغاط الى هذا النوع من الكتابة التي يسميها ب " الكتابة / البحث " أو " النص / العرض" فإن من شأن ذلك - كما يقول - أن يساعدنا في البحث عن قالب مسرحي متميز،وأن يبعدنا عن اجترار القوالب الجاهزة التي تعوق خطواتنا وتمنعنا من تجاوز الاقتباس بكل أشكاله وأنواعه" 31 . لقد قادت هذه الكتابة المغايرة محمد الكغاط الى نوع من تجاوز ما يتمتع به النص المسرحي من قدسية في المغرب كما في باقي الدول العربية، يقول في مقدمة المرتجلة الجديدة: " إن المسرح المعاصر يسعى الى التحرر من سيطرة النص، هذا النص الذي ظل فترة من الزمن يعتبر العنصر الأساسي في العملية المسرحية، وقد وجد في الارتجال الخلاف وسيلة مساعدة على بلوغ هذا الهدف"32، والمفارق في هذه المسألة أن محمد الكغاط لم يتبن هذا التوجه الحداثي من المسرح الغربي، كما هو شأن أغلب التجارب الحداثية العربية التي اعتمد فيها على الغرب، ولكن محمد الكغاط صادف هذا النوع وانتزعه من قلب تراثنا، ومن تقاليدنا التي يقول عنها " إن تقاليدنا في الأشكال التمثيلية القديمة كانت " عرضا" أكثر مما كانت " نصا" إن لم نقل بأنها عرضا محضا"33، لذلك كانت دعوة محمد الكغاط صريحة الى الانطلاق من العرض ومن النص معا إذا ما سعينا الى البحث عن قالب مسرحي عربي يميزنا عن غيرنا، فالمداح كما هو الموروث العربي لم يكن مؤلفا ولا كاتب نصوص ولكنه كان ممثلا ومخرجا، وليست المعاناة التي يعانيها المسرح العربي الحديث من حيث قلة النصوص وقلة المؤلفين الدراميين مقابل انعدام تلك المعاناة وتلك الأزمة في الممثلين والمخرجين رغم انعدام معاهد التكوين إلا بسبب الاهمال الذي لا يزال يطال الكتابة العرضية (من العرض) 34 .

خاتمة :
إذا كان جيرار جينيت يرى أن جميع الكتاب يهمهم كثيرا أن تكون أعمالهم مقروءة، ومقروءة بشكل جيد، فإن توسل محمد الكغاط بالمقدمة توخى من ورائه إظهار إما الأسباب التي وقفت وراء إبداعاته، وإما إظهار الطريقة التي يجب أن تقرأ على ضوئها،وإذا كان هذا مطلبا مشروعا عند المبدعين، فإنه عند الكتاب المسرحيين يعتبر شرطا، بل إنه بالنسبة للكتاب المسرحيين التجريبيين يعد ضرورة قصوى، نعتقد معها أن محمد الكغاط الذي ينتمي الى هذه الفئة الأخيرة، ويرفض أن تقرأ نصوصه خارج تأطيراتها المقدماتيه، لأنها في اعتقادنا شرط ضروري لضمان وتأمين قراءة " جيدة" لذلك نراه في بعض المقدمات يبادرالى تصحيح المسار القرائي الذي يوقع القارئ في سوء فهم حقيقة النص الموجود أمامه وهذا اما تؤكده مثلا مقدمة بشار الخير حين تقول : " فبشار الخير ليست مسرحية فردية كما قد يتراءى عند النظرة السريعة" (ص : 61)، ولولها هذا التنبيه لقرأ القارئ مسرحية لا تتكلم فيها إلا شخصية واحدة قراءته للمسرحيات المونودرامية.
ويسري هذا الأمر على جميع نصوصه بما فيها تلك التي لا مقدمة لها، على اعتبار أن الأفكار النظرية والنتظيرية التي تناولها المقدمات التي وقفنا عليها تنسحب بهذا القدر أو ذاك على كل إبداعه، إذ المنطلقات الفكرية والابداعية، والمرجعيات الفنية والجمالية تخضع لنفس الثوابت الكبرى التي وقفنا عليها، كاهتمامه الكبير بالجمهور المسرحي ومحاولة إشراكه في اللعبة المسرحية، وبحثه عن القالب المسرحي العربي المتميز، و انبناء مسرحه على العرض أساسا وليس النص لوحده... وغير ذلك من التجديدات التي تشكل قاسما مشتركا في خطابه المقدماتي.
والملفت في الخطاب المقدماتي عند محمد الكغاط أنه وإن كان يظهر منه توجيهه لأفق انتظار القراء تجنبا لكل قراءة ماكرة أو مغرضة، إلا أنه مع ذلك يدعو الى أن تظل تلك النصوص شديدة الانفتاح، تسمح للمتلقي أن تظل استراتيجيته القرائية يقظة خلال فعل القراءة، كما أنها فضلا عن ذلك كله تتوجه في معظم الأحيان لا الى القراء العاديين، ولكن الى القراء المخرجين يتوقون الى إخراج هذه الأعمال، لذلك كانت تلك المقدمات تؤكد تلك الانفتاحية، بل وتستدعيها كما يتجلى من خلال الأمثلة التالية:
يقول في مقدمة مسرحية المرتجلة الجديدة: " وهي مع ذلك قابلة للاتساع ولارتجال جديد حسب تجاوب الجمهور" (ص:9) ويقول في مقدمة مسرحية " المنزلة بين الهزيمتين" " اكتفيت بالاقتراح الذي يساعد المخرج على الخلق والابتكار" ويقول أيضا في نفس المسرحية وهو بصدد الحديث عن اللغة " وهذا التقسيم النفسي أيضا مجرد اقتراح يمكن للمخرج أن يمده أو يقصره" ويقول أخيرا في مقدمة مسرحية واحد اثنان ثلاثة " إن المسرحية ... قابلة للتكيف مع أي مكان تفرض نفسها على الديكور ولا يتسلط عليها أي منظر"...
هكذا نخلص الى أنه إذا كانت المقدمات تقلص من عدد التأويلات، فإنها على العكس من ذلك عند محمد الكغاط لا تتجاوز مهامها حماية الدلالة / الدلالات الثاوية في النصوص وأما التأويلات فإنها تضاعف من احتمالاتها، ولا يعود ذلك فقط الى أنها لا تعمل على تصحيح أي افتراض تأويلي، بل أكثر من ذلك إنها تدفع به الى حدوده البعيدة. وإذا صح هذا الأمر فإن مقدمات محمد الكغاط هي أحد أوجه التنظير المسرحي، غير أنه تنظير يرفض أن يكون نموذج استعمال mode d"emploi وهو ما يتماشى والتنظير للفعل التجريبي في المسرح، الامر الذي يبرر عدم استقلالية تلك في أورق أو بيانات حتى لا يفقد الفعل التجريبي أهم سماته التي هي مخالفة السائد والمألوف في المسرح المغربي .
***
فرقة مسرح التأسيس بمهرجان المسرح الأردني
ستشارك فرقة مسرح التأسيس من مدينة تازة بمسرحيتها الجديدة "الماء والقربان" تأليف الدكتور محمد المعزوز إخراج الفنان محمد بلهيشي وذلك بالمهرجان التاسع للمسرح بالأردن فيما بين فاتح نونبر إلى غاية 15 منه·

كلمة حول النص :
تندرج مسرحية "الماء والقربان" ضمن المسرح التوقعي الذي ينطلق من معطيات الواقعة وخاصيتها ليتوقع ما يجري في المستقبل، ولما كانت الواقعة البيئىة قد أخذت حجمها السياسي المتمثل في مشكلة الماء، المهددة للإنسان حاضرا ومستقبلا، توقعت المسرحية كما جاء في الخطاب العام للنص حدوث حرب ضروس حول الماء، سيكون من نتائجها بزوغ تحول جديد على الخريطة الجيوسياسية، ومن ثمة، حدوث تغيير في الأفكار المفعلة لاستراتيجية العمل السياسي·
ونظرا للاعتقاد السائد أن الأسطورة قد تدل وتتقاطع مع أقصى حالات المنطق بالرغم من أساسها المفارق للواقع فإن العملية الطابعة للحضارة المتطورة عملية أسطورية في عمق خفي حركيتها، إن أساس النص أساس اسطوري مسترفد من صميم منطق الأسطورة اليونانية في عجائبيتها المستفزة للفكر، والحاوية للذائقة في مختلف جاذبيتها الاستجمالية· ومن ها هنا سيدخل بناء الحدث وغواية الشخوص في حوار مع منطق الأسطورة عينها، بذلك تم استدعاء نرسيس… من عمق التاريخ اليوناني، وسمبارا التنين حابس المطر لتنظيم علاقتهما وفق بعد مصلحي، مستقطبين بذلك أذيالا وأبواقا، كنديم والمغني بوصفهما إشارات فاضحة لكثير من مثقفي وفناني التحولات الجديدة·
ولما كان الأخضر ذلك الرمز الانساني الذي استنكر ضد واقع بيع المياه وتصريفها خلسة إلى الآخر عومل بشكل تهميشي وإقصائي لم يمكنه من منزلته في المجتمع الجديد· وحتى تتقوى مناعته الرمزية، أخله النص في علاقة مع ريحانه وسمبارا ونديم للتشكيك في العلاقات اللامشروعة القائمة على المصلحة والرغبة الانتهازية في الاستفادة مما أطلق عليه بالحداثة والنظام الدولي الجديد· غير أن صانع هذا النظام، وتعميقا لنظرياته حول صنعه، ارتأى ألا يستعمل العقلنة في الشأن الخارج عنه،لأن شعار العقلنة في سياق النص، سيغدو مستهلكا غير جالب لأية منفعة، فتم تعويض التفكير العقلاني بالتفكير الاسطوري لتكون الاسطورة في لحظة ما أقوى من العقلنة· هكذا وعبرالاسطورة المعاد إنتاجها دراميا، سيقضي نرسيس بذبح ريحانة عشيقة الأخضر وتقديمها قربانا للنهر العظيم، لعل السماء تجود بقطرها وإرواء الناس·
غير أن عملية الذبح هاته،ستثير الكل وستواجه بانتفاضة أسطورية مماثلة، وهكذا ما بين الاسطورة الخرافة والاسطورة المنطق والمتخيل الدرامي المؤطر لهما، تثار الاسئلة التالية :
- ما هو مصير العقلنة في عالم أتخم بالعقلانية؟
- ما هي حدود الأسطورة في اكتسابها مفهوما متطورا وبديلا لعقلنة الغرب؟
- وأمام العقلنة والأسطورة، ما هو مستقبل العرب أمام حرب الماء القادمة؟
إذن كيف تساهم الأسطورة وفق تصور المسرح التوقعي في نسيج تلابيب السؤال الصعب والماكر، الذي لا يحتاج إلى جواب بقدر ما يحتاج إلى حركة وإشارة مرمزة وغامزة، عبر جنون الركح المؤسس في مسرح التأسيس؟

فرقة مسرح التأسيس

لائحة أسماء أعضاء الفرقة :
محمد بلهيسي
محمد المعزوز
جمال بوطيب
محمد اجنياح
يوسف الوطاطي
أحمد بلهيسي
سميرة لصفر
عبد الله بويديدة
عبد السلام برينسي
محمدبوعنان
عبد الحق بوعمر
نور الدين بن كيران
عبد اللطيف الجزاري
رشيد السهلي
نبيلة حرفان

فرقة مسرح التأسيس

يتبع
محمد لعزيز


62 BD de la Gironde Boite postale : 13152
Tél: (212) 2 30 78 82 / 30 76 66 Fax: (212) 2 30 80 80